46

رجل المترو .... عم حميد

شاءت الأقدار أن تكون رحلتي في الصباح عن طريق قطار المترو بالرغم من عدم محبتي له وضيقي بهذا العالم الموجود تحت الأرض هذا الزحام الأشكال اللانهائية من البشر الوجوه التي تتفحصك تقاطع خط حياتك للحظات تقترب منك تنظر إليك بعيون يملؤها الفضول وجوه تتعود عليها وتألفها حياه أخري علي هامش حياتك لقاء وفراق هذا هو المترو , من هؤلاء الوجوه كان هذا الرجل أحد عمال النظافة أو الكير سيرفس يقابلني كل يوم صباحا في محطتي بثيابه الرثة بملامحه المصرية الأصيلة وجه تعتاد عليه وتألفه شخصية بسيطة هامشية قد لا تشعر بوجودها تعودت أن أمر كل يوم بجواره كان دائما ما يترك ما يفعله مهما كان يقف في ثبات وكأنه في حضرة ملك مهيب أو شخصية مهمة أمر من جواره بسرعة فيتمتم بكلمات لا افهماها بصوت خفيض ونفسي تحدثني بأنه ربما يتسول مالا , لم أتوقف أبدا أو أحاول تفسير ما يقول ما الداعي لان يستوقفني شخص مثله أو يشغل تفكيري برأسي الكثير من المشاغل هكذا يفعل مع كل من يعبر به . هكذا كان ظني في أحد الأيام كنت سأقدم أوراقي للدراسات العليا نزلت درجات السلم مسرعه ومررت به فإذا به يدعوا لي بان أوفق في تقديم أوراقي لم اهتم كعادتي كانت المرة الأولي التي افهم ما يقول ذهبت إلي الجامعة وبرغم الزحام نجت في إنهاء أوراقي بسرعة وفكرت للحظة ربما يكون دعائه سأشكره غدا .
كانت فكرتي عن الشكر إعطائه بعض الأموال ظناً مني بأني سأسعده مررت بجواره كعادتي وللمرة الأولي وقفت أمامه وأخرجت مبلغا من المال وضعته في يده وابتسمت له وبجملة مقتضبة شكرته نظر لي نظرة لم افهماها ولكني تابعت طريقي ومن يومها أصبحت أمر بجواره فلا يتمم بكلماته يكتفي بالوقوف تلك الوقفة المهيبة التي لم افهم أبدا معناها حتى جاء هذا اليوم كان هو في عملة علي الرصيف الآخر منهمك جدا والتفت ليراني فترك كل ما يفعله لينظر إلي ويقف في ثبات للحظات ثم عاد لعمله في استسلام وانهماك .
ما هذا يا إلهي يوجد العديد من الأشخاص علي الرصيف لكنة وقف في مواجهتي أنا بالذات طوال هذه المدة الطويلة يخصني أنا بهذه الوقفة ما معناها ولماذا يفعل ذلك ؟
وددت لو عبرت إلي الرصيف الأخر لأسئلة لكن قطاري وصل ظل عقلي طوال اليوم مشغولا بهذا الشخص من هو ؟ ما قصته ؟ لماذا يفعل هذا ؟ يجب أن اعرف غدا سأزيح هذا الغموض.
انتظرت غدا بفارغ الصبر واتجهت للمحطة قبل موعدي لأجد فرصة للحديث معه لم يكن موجودا , ربما سيأتي بعد قليل لكنة لم يظهر انتظرت بالمحطة لأطول فترة ممكنة لكنه لم يظهر ذاد ضيقي وفضولي ولأيام عاودت الكرة لكنة لم يظهر وبدأ عقلي يتساءل أين ذهب ؟ هل هو مريض ؟ هل نقل لمكان أخر ؟ هل يجب أن ابحث عنه ؟ لا ادري لم اعد ادري ماذا علي أن افعل ربما سأنتظر يوما إن لم يظهر سأسأل عنه ناظر المحطة.
بالفعل لم يظهر وكان هناك شخصا آخر يقوم بعملة ذهبت إلية أسأله وصفت له الرجل طوله لون بشرته هيئته استمع لي في اهتمام وعقلة يبحث عن من يشبه وصفي لحظات يبحث داخل ذاكرته مرت علي كأنها ساعات طويل وجاءت في النهاية الإجابة
- هل تقصدين عم حميد
- لا أدري هل هذا هو اسمه
- وصفك لا ينطبق إلا علية
- حسنا أين هو ولماذا لا يأتي ؟
- عم حميد تعيشي أنت
قالها وتركني وأكمل عمله تجمدت للحظات وعندما عاد إلي الوعي جلست علي اقرب كرسي أفكر فيه لقد رحل دون أن اعلم ولن اعلم أبدا بماذا كان يتمتم لي كل صباح ربما بتحية ربما بدعاء ربما بطلب ترفعت عن إجابته مر يومي ثقيلا حزينا وصورته في مخيلتي وصوته في أذني لأيام لم استطع الاقتراب فيها من المحطة ربما لم تصنع حياته فرقا لكن صنع موته الكثير كم من الأشخاص نلقاهم ونعتادهم دون أن نلحظهم في زحام حياتنا كم من الأشخاص نظن أننا نمد إليهم يد العون ونحن نغرقهم كم من الأشخاص نظن أننا نسعدهم ونحن نتسبب في تعاستهم كم من الأشخاص نظن أننا نرد إليهم معروفا ونحن نهينهم في النهاية وقفت علي هذا الرصيف وفي يدي وردة اهديها إلية ربما لم انتبه إليك في حياتك , ربما لن ينقشع غموضك لكني لن أنساك ما حييت , لن انسي أحداً اهتم لأمري حتى ولو لم أعي وجودة علينا أن نتعلم أن هناك أحدا يهتم لأمرنا أننا لسنا دائما بمفردنا حتى وان كان هذا هو شعورنا.

16

حبيبتي ......... إلي ذكراك

رغم مرور كل هذه السنوات مازالت ذكراها حية في قلبي وعقلي كان دخولها لحياتي مفاجئاً وخروجها مفاجئاً كانت مميزة في كل شئ ما زالت هناك عشرات الأسئلة التي تدور في رأسي بخصوصها لم أجد أجابه عليها أبدا.

لماذا كانت ترتدي نظارتها الشمسية وقت العصر فقط ؟ لماذا كانت تنام قبل الشروق مباشرةً وكأنها تخشاه ؟ لماذا كانت تكره الشروق وتعشق الغروب ؟ لماذا كانت تترك شعرها طويلا منسدلا وتقص منه خصلات بعينها ؟ لماذا كانت تعشق فصل الصيف وتكره الشتاء ؟ من أين جاءت وإلى أين اختفت ؟
كانت تنام قليلا وتأكل قليلا توصل الليل بالنهار كنت أتعجب من كل هذا النشاط وأتساءل من أين تأتي بكل هذه الطاقة لتعمل نهاراً وتسهر ليلاً وتنطلق في كل الاتجاهات كان جسدها علي نحولته ورقته لا يدل أبداً علي شخصيتها ملامحها الرقيقة الهادئة تجعلك تظن انك أمام أكثر الأشخاص هدوءا في هذا العالم لكن تحت كل هذا الهدوء بركان من العاطفة والجنون كان من الصعب أن نذهب إلي مكان لا تعرف فيه احد أو إلي ركن لا تعرفه كانت تثير دهشتي دائما كيف تحافظ علي كل هذه الصداقات والمعارف كيف يتسع عالماها لكل هؤلاء كيف تكسب حب واحترام الجميع كيف تبقي سر غامض لا يعرفه احد وكيف ظلت بالرغم من هذه السنوات الطويلة كاللعنة التي حلت علي تطاردني في أحلامي ويأتي طيفها في صحوي مازلت ابحث عنها في كل الوجوه في كل الأماكن في كل النساء في هذا اليوم ألحت علي ذكراها ودفعني شوقي لأسير في الشوارع التي كانت تعشقها جلست علي مقهاها المفضل تغير كل شئ وهى لم تتغير مر طيفها من أمامي أغمضت عيني محاولا الهروب منه أدرت وجهي في اتجاه أخر . كلا ليس طيفا أنها هي تعبر الشارع أسرعت خلفها بصحبتها طفله صغيرة لم أتبينها أول الأمر ناديت عليها بأعلى صوتي لم تجب صرخ صوت من داخلي بمنتهي القوة كلا لن تضيعي مرة أخري في زحام المدينة أسرعت ورائها استوقفتها التفت إلي في هدوء يا إلهي أنها هي للحظة تملكني الفرح كل الفرح ........ كلا مستحيل لا يمكن أن تكون هي لا يمكن ألا تترك السنوات آثرها عليها .
نظرت إلي في آلفة وابتسمت في هدوء وكأنها تعي ما أمر به التفتت لتكمل طريقها ثم عادت إلي بابتسامتها " لا تبحث عنها لقد رحلت " قالتها وأكملت في هدوء وعجزت أنا علي الحركة كأني تجمدت في هذه اللحظة راقبتها وهي تبتعد وتمر في رأسي الآلاف الذكريات ذكرياتها . حبيبتي ......... إلي ذكراك

Siguiente Anterior Inicio